شمال سوريا هو شمال قبرص آخر!
بير رستم
تركيا لن تخرج من الشمال السوري، وربما شمال سوريا تتحول لشمال قبرص آخر، وذلك بالرغم من عدم توفر العامل الديموغرافي الكبير من التركمان في تلك المنطقة وبعكس ادعاءات تركيا والسوركيين الذين يروّجون؛ بأن عدد التركمان في سوريا يتجاوز الثلاث ملايين، في حين يحاولون تخفيض عدد الكرد لم يقارب المليون والنصف، مع أن أي مطلع على الجغرافيا السورية والتوزع الديموغرافي فيه، يدرك تماماً؛ بأن الحقائق على الأرض بعكس ذلك حيث عدد التركمان في كل سوريا لن يتجاوز بضع عشرات، وفي أحسن الحالات مئات الآلاف، بينما عدد الكرد يتجاوز الملايين الثلاثة التي يدعونها للتركمان، وأعتقد فقط لو نظرنا للماضي القريب والنشاط السياسي لحركة الشعبين لعرفنا هذه الحقيقة؛ بأن الكرد كان وما زال لهم تواجدهم الديموغرافي ودورهم السياسي الكبير والفاعل، في حين لم نكن نسمع حتى بشيء اسمه التركمان.
كما أن هناك عامل آخر مهم لصالح الكرد؛ ألا وهو أن شعبنا الكردي يعيش ضمن كانتونات وأقاليم جغرافية مترابطة، وإن كانت في أجزاء منها تنفصل عن بعضها نتيجة تقسيمات “سايكس بيكو” حيث الحدود أحياناً تفصل بعض المناطق، مثل كوباني عن عفرين، لكن هذه الجغرافيات تتواصل مع أخواتها في الإقليم الشمالي لكردستان داخل (تركيا)، بينما حال التركمان ليس كذلك؛ فهم ليسوا إلا بضع عشرات الآلاف موزعين بكل الجغرافيا السورية، وأهم مركز سكاني لهم هو في مدينة الراعي وبعض القرى المحيطة بها، لكن بالرغم من كل ذلك تحاول تركيا؛ أن تجعل من الشمال السوري شمال قبرص آخر وما ممارساتها وممارسات الميليشيات الخاضعة لها من جرائم وانتهاكات بحق الكرد في عفرين إلا جزء من تلك السياسات وذلك في محاولة منهم لعدم عودة أهلها الكرد إليها! وبالتالي فإن عودة أي عائلة كردية عفرينية لها يعتبر نوع من الانتصار على سياسات تركيا العدوانية الهادفة للتغيير الديموغرافي.
بالمناسبة هذه ليست دعوة عنصرية لإنكار حقوق الإخوة التركمان، وباقي مكونات سوريا الاجتماعية والسياسية، إن كانت الإثنية والعرقية أو الدينية والطائفية، من نيل حقوقهم كاملةً، بل هي فقط توضيح للحقائق والواقع على الأرض وكذلك فضح لسياسات تركيا الاستعمارية ونظرتها لمستقبل المنطقة وما ترسم من مشاريع وخطط بهذا الصدد حيث وبالرغم من معرفة الجميع؛ بأن التركيبة السكانية في عفرين كانت بنسبة مطلقة كردية قبل الاحتلال التركي الاخواني الميليشاوي لها، واليوم ها هي عادت بذات أغلبية كردية مجدداً وذلك بعد نزوح المهجرين والمستوطنين العرب الذين جاؤوا مع الاحتلال، لكن وبالرغم من هذه الحقيقة الديموغرافية والهوية السياسية للمنطقة، فإن تركيا ومع احتلالها تعاملت مع المنطقة وهويتها بصبغة استعبادية، وليس استعمارية، حيث حاولت، عبر الميليشيات الخاضعة لها، طرد أكبر عدد ممكن من سكانها الكرد، كما إنها تعاملت مع من تبقى معها بلغة الاستعباد وفرض الإتاوات وانتهاك فضيع لكرامات الناس وصولاً للإذلال والاستعباد وللأسف.
وها هي مؤخراً تفرض شروط مجحفة على دمشق وحكومتها الجديدة وذلك من خلال ربط الشمال السوري بتركيا، ليس فقط اقتصادياً تنموياً من خلال شبكات الكهرباء والمواصلات والبنية التحتية وجعل الليرة التركية هي المعتمدة في التبادلات التجارية، بل كذلك من خلال قواعد عسكرية عدة أنشأتها خلال السنوات الماضية في كل المناطق التي تحتلها ومؤخراً قد أخذت “مطار منغ” العسكري وتجعله قاعدة عسكرية لها، والأخطر من هذا وذاك؛ فإن تركيا ومنذ لحظة احتلالها ودخولها للشمال السوري تحاول فرض ثقافتها ولغتها ومناهجها الدراسية على مناطقنا حيث باتت اللغة التركية اللغة الثانية في تلك المناطق بعد العربية، وسأضع صورة لمدخل بلدتي جندريسة (جنديرس) حيث مكتوب على نصب المدخل باللغتين العربية والتركية مع أن البلدة وسكانها، مثل كل بلدات وقرى منطقة عفرين، هم كرد وليسوا تركاً وعرباً!
نعم تركيا وللأسف تعمل على أن تجعل من شمال سوريا شمال قبرص آخر وستجعلها ورقة ضغط على دمشق في مفاوضاتها؛ إما أن تتخلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والإدارة الذاتية عن سلاحها وكذلك عن مشروعها السياسي لصالح دمشق، أو تجعل للتركمان إقليم فيدرالي مصطنع وعلى حساب الكرد، مما قد يدخل المنطقة في صراعات وأزمات جديدة شعوبنا بغنى عنها.. للأسف تركيا تحاول قدر الإمكان تقزيم المطالب الكردية في سوريا وذلك لكي لا يمتد الأمر لداخل تركيا ويطالب إخوتهم هناك أيضاً بمطالب سياسية من حكم ذاتي وأقاليم فيدرالية، كما أن هناك سخفاً مرضياً آخراً يحرك سياسات تركيا، ألا وهو؛ تباكي تركيا على تركمان كركوك والعراق، فهي حاولت، كما في سوريا، أن تدعي؛ بأن كركوك “تركمانية” وبأن سكانها ذات “غالبية تركمانية”، لكن الانتخابات كشفت زيف تلك الادعاءات حيث لم يحصل التركمان إلا على نسبة محدودة وكشفت نتائج تلك الانتخابات بأن غالبية المدينة ما زالت كردية، بالرغم من كل سياسات التعريب للنظم العراقية السابقة، فلذلك هي (أي تركيا) تحاول استباق الأمور في سوريا وتفرض إقليماً تركمانياً بالقوة العسكرية والاقتصادية في شمال سوريا!
باختصار؛ تركيا تعمل على خلق شمال قبرص تركماني في الشمال السوري وعلى حساب الشعب والجغرافية الكردية.
ظهرت المقالة شمال سوريا هو شمال قبرص آخر! أولاً على Kurd Online.